إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق الجهاد حتى أتاه اليقين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين أما بعد فإن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون عباد الله إنما تمر به الأمة الإسلامية اليوم من فتن وبلاء ومحن ولأواء وتسلط الأعداء إنما هو امتحان وتمحيص ومقدمة لنصر مبين وعز وتمكين بإذن الله رب العالمين قال تعالى ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وقال أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب معاشر المسلمين قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض ثم يؤتى بالمشار فيجعل على رأسه فيجعل نصفين ما يصرفه ذلك عن دينه ويمشط بأمشاط الحديد ما دون عظمه من لحم وعصب ما يصرفه ذلك عن دينه والله ليتمن الله هذا الأمر ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز عباد الله لقد كان أول من أظهر الإسلام سبعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمار وأمه سمية وصهيب وبلال والمقداد فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه الله بعمه أبي طالب وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه وأما سائرهم فأخذهم المشركون فساموهم سوء العذاب فما منهم أحد إلا وقد أتاهم على ما أرادوا إلا بلال فإنه هانت عليه نفسه في الله وهان على قومه فقام المشركون بإيذائه وتعذيبه لعله يرجع عن دينه فقابلهم بالصلابة والثبات فزادوا في تعذيبه وبلائه فكان سيده أمية بن خلف يخرجه إذا حميت الظهيرة فيطرحه على ظهره في بطحاء مكة ثم يأمر بالصخرة العظيمة على صدره ثم يقول لا تزال على ذلك حتى تموت أو تكفر بمحمد ويقول أي شؤ من رمانا بك يا عبد السوء لئن لم تذكر آلهتنا بخير لنجعلنك للعبيد نكالا فيرد بلال رضي الله تعالى عنه وهو ثابت لا يتزعزع ربي الله أحد أحد ولو أعلم كلمة أغيظ لكم منها لقلتها فلما بلغ الكتاب أجله في تعذيبه أتى الفرج فاشتراه أبو بكر رضي الله تعالى عنه وأعتقه لوجه الله عز وجل وفي ذلك نزل قوله تعالى وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ما له يتزكى وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى وتمضي الأيام ويهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون إلى المدينة ويهاجر بلال رضي الله تعالى عنه ويصبح مؤذن الإسلام ويخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى معركة بدر وقد أقبل المشركون من قبل مكة بأسيادهم ومنهم همية بن خلف وأبو جهل يتقدمون في خيلاء الكبر والغرور جيشهم نحو الألف ومعهم القيان يضربن بالدفوف ويتغنون بهجاء المسلمين ويقولون والله لا نرجع حتى نرد بدرا فنقيم بها ثلاثا فننحر الجزور ونطعم الطعام ونسقى الخمر وتعزف لنا القيان وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا فلا يزالون يهابوننا أبدا والمسلمون في ثلاثمائة وبضعة عشر ليس فيهم فارس سوى المقداد وتبدأ المعركة ويشاء الله أن يمن على الذين استضعفوا في الأرض ويجعلهم أئمة ويجعلهم الوارثين ويرى بلال سيده أمية بن خلف الذي طالما آذاه بمكة فيشق الصفوف ويزأر ويقول رأس الكفر أمية بن خلف لا نجوت إن نجا رأس الكفر أمية بن خلف لا نجوت إن نجا فمكنه الله منه فحمل عليه فكان كأمس الدابر واليوم الغابر فقال فيه أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه هنيئا زادك الرحمن عزا فقد أدركت ثأرك يا بلال أما عدو الله أبو جهل فقد أقبلت فيه كبر وغرور يرتجز ويقول ما تنقم الحرب العوان مني بازل عامين حديث سني لمثل هذا ولدتني أمي فأذاقه الله الهوان على يد فتيان صغار من المدينة وهم ابن عفراء فجعل يتحسر ويقول لو غير أكار قتلني لكان أحب إلي وأعظم لشأني ولم يكن علي نقص في ذلك ويأتي ابن مسعود رضي الله تعالى عنه فيضع رجنه على عنقه ويقول أخزاك الله يا عدو الله فينتقس أبو جهل منه ويقول قبل مفارقة الحياة لقد ارتقيت يا رويعي الغنم مرتقا صعبا ولما فتحت مكة ولما فتحت مكة صعد بلالٌ رضي الله تعالى عنه على ظهر الكعبة ليجهر بكلمة التوحيد على بعد خطواتٍ من المكان الذي يعذَّب فيه وفي وقت الظهيرة وعلى رؤوس الأشهاد يؤذِّن الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمد رسول الله فهيج ذلك الموقف غيظ أعدائه حتى قال بعضهم لقد أكرم الله أبي إذ مات ولم يسمع هذا وقال آخر ليتني مت قبل هذا معاشر المسلمين لم يتبوأ بلال رضي الله تعالى عنه هذه المنزلة السامية في الإسلام وقال إلا بعد امتحان وابتلاء وصبر ومجاهدة يا أيها الذين آمنوا صبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون الحمد لله مظهر الحق ورافعه ومذل الباطل ودافعه أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد عباد الله إن الله يمهل ولا يهمل ويملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلت ولا يحسبن الذين كفروا أن ما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين فما حل بالمستضعفين من المسلمين في مكة في بداية الإسلام من المحنة والبلاء إنما كان لإعداد جيل جديد حديث وتمكين ونصر حثيث وتمحيص وتصفية ليميز الله الخبيث وما هي إلا فترة ويمن الله على المضطهدين والمظلومين الذين استضعفوا في الأرض ويجعلهم أئمة ويجعلهم الوارثين ويمكن لهم في الأرض وإذا بصناديد الشرك والكفر والظلم يُقتلون بسلاحهم وبأيدي مواليهم كبلال وأمية وابن مسعود وأبي جهل فيشفون غليلهم ويأخذون بثأرهم ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز عباد الله إن موازين الفضل عند الله بالعمل وليست بالنسب والمنصب والمال والجاه فالناس سواسية كأسنان المشت كلكم لآدم وآدم من تراب ولا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم لعمرك ما الإنسان إلا بدينه فلا تترك التقوى اتكالا على النسب فقد رفع الإسلام سلمان فارس وقد وضع الشرك النسيب أبا لهب ورب خفي تقي لا يعبأ به مدفوع بالأبواب ليس بينه وبين الله عجاب لو أقسم على الله لأبره ولما نال أبو ذر من بلال وقال له يا ابن السوداء غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال يا أبا ذر أعيرته بأمه إنك امرء فيك جاهلية وقد بشره النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة فقال يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام فإني سمعت دفن عليك بين يدي في الجنة وبعد معاشر المسلمين لقد ضاق بالمشركين ذرعا لما سمعوا صوت بلال يصدع بالأذان على ظهر الكعبة ولئن كان أذال بلال يؤذي المشركين فإنه يهيج قلوب المسلمين ويشتاقون سماعه فكان إذا أذن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتمالك نفسه فيهيج الحزن ويثير البكاء ويغشى عليه ويفزع الناس وترتج المدينة لذكرى رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن ذات ليلة في السحر بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فاعتلى سطح هذا المسجد فلما قال الله أكبر الله أكبر ارتجت المدينة فلما قال أشهد أن لا إله إلا الله زادت رجتها فلما قال أشهد أن محمد رسول الله خرج الناس من بيوتهم فما رؤي يوم أكثر باكيا وباكية من ذلك اليوم لما فتح بيت المقدس وقدم أمير المؤمنين عمر رضي الله تعالى عنه إلى الشام أمر بلالاً أن يؤذن فقال يا أمير المؤمنين ما أردت أن أؤذن لأحد بعد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن سأطيعك إذ أمرتني في هذه الصلاة وحدها فلما أذن بلال وسمع الصحابة أذانه بكوا بكاء شديدا لقد ذكرهم بحبيبهم لقد ذكرهم بحبيبهم وقرة أعينهم الذي أثار الإيمان في القلوب وكان سببا في نجاتهم فاشتاقت إليه النفوس وحنت إليه الأفئدة واستكانت لذكره المشاعر وخالط حبه سويداء الفؤاد وشغاف القلوب نبي صدق هدت أنوار غرته بعد العمال الهدى من كان عميتا وأصبحت سبل الدين الحنيف به عوامرا بعد أن كانت أماريتا أحيا به الله قوما قام سعدهم كما أمات به قوما طواغيتا فلا يلامون على ذلك فلا يلامون على ذلك وكيف وقد حن له الجذع وبكى واهتز جبل أحد ليترجم له عن مشاعر الحب والتقدير فاللهم ارزقنا محبته فاللهم ارزقنا محبته واتباع سنته واحشرنا في زمرته وامن علينا بشفاعته معاشر المسلمين الصبر مفتاح الفرج والجنة حفت بالمكاره وحفت النار بالشهوات وسينصر الله دينه كما نصر المستضعفين في مكة وكما نصر أولياءه من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون اللهم أعز الإسلام والمسلمين وانصر عبادك الموحدين واجعل اللهم هذا البلد آمنا مطمئن ومن شر المفسدين ومن شر الأعداء والحاسدين يا رب العالمين اللهم وفق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين بتوفيقك وأيده بتأييدك وأعز به دينك اللهم اجزه على ما قام به من خدمة سنة نبيك صلى الله عليه وسلم خير الجزاء اللهم اجعله عملا خالصا لوجهك الكريم موجبا للفوز لديك في جنات النعيم برحمتك يا أرحم الراحمين اللهم وفقه ولي عهده لما فيه خير للإسلام والمسلمين ولما فيه صلاح البيت والعباد يا رب العالمين اللهم احفظ حدودنا وانصر جنودنا اللهم اشف مرضاهم وتقبل موتاهم واحفظهم بحفظك واكلأهم برعايتك يا رب العالمين اللهم أنت الله لا إله إلا أنت اللهم أنت الله لا إله إلا أنت أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين اللهم أغثنا غيثا هنيئا مليئا سحا غدقا نافعا مجللا غير ضار اللهم تحيي به البلاد وتجعله بلاغا للحاضر والباد اللهم سقيا رحمة لا سقيا هدم ولا غرق ولا بلاء برحمتك يا أرحم الراحمين اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدرارا برحمتك يا رحمة الله يا أرحم الراحمين عباد الله صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما اللهم صل على وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر الصحابة أجمعين وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين