الحمد لله الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً وهو الذي جعل الليل والنهار خلفةً لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً خلق خلقه فأوجده وشرع شرعه فأحكمه لا لشيء سوى أن يعبدوه وحده لا شريك له وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا أما بعد فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله فإنها سعادة الأبرار وأساس حياة الأطهار أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان الخير أم من أسس بنيانه على شفا جرف انهار فانهار به في نار جهنم وقال جل في علاه للذين اتقوا عند ربهم جناتٌ تجري من تحتها الأنهار نسيرُ إلى الآجال في كل لحظةٍ وأعمارُنا تُطوى وهنَّ مراحلُ ترحَّل من الدنيا بزادٍ من التُقى فعمرك أيامٌ وهنَّ قلائلُ معشر المسلمين تتعاقبُ الأيام وتتوالى الشهور وتمضي السنون والأعمار تُطوى والآجال تُقضى والأبدان تَبلَى وكل شيء بأجل مُسمَّى وها نحن قد ودَّعنا عاماً تقضَّت ساعاته سِراعاً ومضت أوقاته تِباعاً وكأنها طيف خيال أو ضيف زار ثم زال وفي استقبال عامٍ وتوديع آخر تذكرةٌ للمُتدبِّرين وعِبرةٌ للمُتفكِّرين يُقلِّبُ الله الليل والنهار إن في ذلك لعِبرةً لأولي الأبصار والبصيرُ لا يركنُ إلى الخُدع ولا يغترُّ بالطمع ومن أطالَ الأمل نسيَ العمل وغفلَ عن الأجل فالعاقل الحصيف هو من يتخذ من صفحات الدهر وانطوائه وقفات للمحاسبة الجاذة ولحظات للمراجعة الصادقة فيرتقي في مراتب الكمال البشري الذي أمر الله بنشدانه وشحذ الهمم للسعي في بنائه وإتقانه قال عز من قائل سبحانه يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغده واتقوا الله فحقٌّ على كل مُكلَّفٍ عاقِلٍ وحتمٌ على كل مُوقِنٍ حازِم يؤمن بالله واليوم الآخر ألا يغفل عن مُحاسَبة نفسِه ومراجعة وتقييم مسارِه في ماضيه وحاضِره ومُستقبَله ففي حوادِث الأيام عِبَر وفي قوارِع الدهر مُزدَجَر فالفُرَصُ تفُوت والأجلُ موقُوت والإقامةُ محدودة والأيامُ معدودة عباد الله إن هلاك القلب وأضر ما يكون على الإنسان الإهمال الإهمال وترك المحاسبة والاسترسال وموافقة النفس واتباع هواها فإن هذا يقول به إلى الهلاك وهذا هو حال أهل الغرور يغمض عينيه عن العواقب ويتكل على العفو فإذا فعل ذلك سهُلَ عليه مواقعةُ الذنوب، وأنِسَ بها، وعسُورَ عليه فِطامُها وعلموا رحمكم الله أن النفس خُلِقَت أمارةً بالسُّوء تجري بطبعها في ميدان المُخالفة وقد أُمر العبد بتقويمها وتزكيتها وإن يقودها بسلاسل القهر إلى عبادة ربها فإن أهملها وأغفلها جمحت وشردت وتمردت وإن قومها وحاسبها ارتدعت وأذعنت واستقامت عباد الله إذا عرف الإنسان عيوب نفسه إذا عرف الإنسان عيوب نفسه وآفاتها دفعه ذلك إلى مقتها والتذلُّل والخضوع بين يدي خالقها ما يدعوه ذلك إلى محاسبة نفسه ومجاهدتها وتطهيرها من الذنوب وتنقيتها من العيوب وتزكيتها طاعةً لعلام الغيوب راجياً بذلك الفوز والفلاح الذي أقسم الله عليه في قوله ونفسٍ وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها أيها المؤمنون لقد أدرك السلف الصالح رحمهم الله هذه المعاني وقدروها حق قدرها فترجموها في حياتهم قولاً وعملاً وسطَّر التاريخ لهم أروع الوصايا وأعظمها في هذا الميدان واستفاضت مقولاتهم وسارت بها الركبان ومن ذلك الأثر الشهير عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين قال حاسِبُوا أنفسَكم قبل أن تُحاسَبُوا وزينُوا أنفسَكم قبل أن تُزَنُوا فإنه أهونُ عليكم في الحساب غداً أن تُحاسِبُوا أنفسَكم اليوم وتزيَّنُوا للعرض الأكبر يومئذٍ تعرَضون لا تخفى منكم خافية رواه أحمد ويقول الحسن البصري رحمه الله إن العبد لا يزال بخيرٍ ما كان له واعِظٌ من نفسه وكانت المُحاسَبة من همَّته ويقول الفضيل بن عياض رحمه الله من عرف أنه عبد لله وراجع إليه فليعلم أنه موقوف ومن علم أنه موقوف فليعلم أنه مسؤول ومن علم أنه مسؤول فليعد لكل سؤال جوابا قيل فما الحيلة يرحمك الله قال الأمر يسير تحسن فيما بقي يغفر لك ما مضى فإنك إن أسأت فيما بقي أُخِذت بما مضى وما بقي ثم أعلم رحمكم الله أن محاسبة النفس كما تكون بعد العمل فإنها تكون قبله وفي أثنائه فأما محاسبتها قبل العمل فيكون بالوقوف عند أول هم العبد وإرادته ولا يُبادر بالعمل حتى يتبين له رُجحان العمل به على تركه قال الحسن رحمَ الله عبدًا وقفَ عند همِّه فإن كان لله مضى وإن كان لغيره تأخَّر وأما محاسبةُ النفس في أثناء العمل فتكون في تحقيق الإخلاص والمتابعة في العمل حتى يفرغ منه وأما محاسبتُها بعد العمل فتكون بالنظر في الفرائض والأوامر فإن رأى فيها نقصًا بذل جهده واستعانَ بربه في تتميمه وتكميله وإتقانه ثم ينظر في المناهي فإن عرف أنه ارتكب منها شيئا تداركه بالإقلاع والتوبة النصوح والاستغفار والحسنات الماحية والإعراض عن الأسباب الموصلة إليه فاتقوا الله عباد الله وحاسبوا أنفسكم فإن صلاح العبد وسلامته بمحاسبة النفس وفساده وعطابه بإهمال النفس والاسترسال في ملذاتها وشهواتها وإهمال ما به كمالها والسعيد من يستغفر لماضيه ويستعد لمستقبله وما يأتيه واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون عباد الله بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم الحمد لله أعظم للمُتقين العاملين أجورهم وشرح بالهُدى والخيرات صدورهم وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وفَّق عباده للطاعة وأعان وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله خير من علَّم أحكام الدين وأبان صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى أصحابه أهل الهُدى والإيمان وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليماً كثيراً وبعد أمة الإسلام إن شهر الله المحرم شهرٌ رفيعُ القدر عظيمُ الأجر والصومُ فيه عبادةٌ جليلة والإكثارُ منه قُربةٌ وفضيلة فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أفضلُ الصيام بعد شهر رمضان صيامُ شهرِ الله المُحرَّم أخرجَه مسلم ويتأكَّدُ صيامُ يوم عاشوراء وهو اليوم العاشرُ من شهر مُحرَّم يومٌ نجَّى الله فيه موسى عليه السلام وقومه من فرعون وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحرَّى صوم هذا اليوم على سائر الأيام فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرَّى صيام يومٍ فضَّله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء أخرجه البخاري وعن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئِل عن صوم يوم عاشوراء فقال يُكفِّر السنة الماضية أخرجه مسلم ويُستحبُّ صيام التاسع معه فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لئن بقيتُ إلى قابل لأصومن التاسع أخرجه مسلم وقال ابن عباس رضي الله عنهما صوم التاسع والعاشر وخالف اليهود أخرجه البيهقي ولو صام المسلم ثلاثة أيام ففي ذلك فضل صيام التاسع والعاشر وصيام ثلاثة أيام من الشهر ولو صام المسلم العاشر فقط كفاه ذلك فاتقوا الله عباد الله واستغلوا حياتكم بعبادة ربكم وبادروا بالطاعات صحائف أعمالكم واقتنموا هذه الأعمار قبل انقضائها واستثمروا هذه الأوقات قبل فنائها واعلموا أن عاقبة التفريط الحسرة والندامة والهلاك والخسارة يوم القيامة فاحذروا ذلك تعزوا أنفسكم وتسعدوا عند لقاء ربكم عباد الله إن الله وملائكته يُصلُّون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلُّوا عليه وسلِّموا تسليما فاللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك الآمين وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى أزواجه أمهات المؤمنين وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين وعن الصحابة أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين وعنَّا معهم بعفِّك وجودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين واحْبِ حوزَة الدين واجعل هذا البلد آمِنًا مُطمئِنًا رخاءً وسائر بلاد المسلمين اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين اللهم إنا نسألك لإمامنا وولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز التوفيق والسداد والعز والتأييد والرشاد إنك أنت الكريم الجواد اللهم وفِّق ولاة أمور المسلمين لكل ما تحب وترضى واجمع كلمتهم على الحق والهدى يا رب العالمين اللهم احفظ وانص الرجال أمننا اللهم احفظ وانص الرجال أمننا وجنودنا على ثغورنا وكلهم عوناً ونصيراً ومؤيداً وظهيراً إنك سميع الدعاء اللهم حبِّب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين اللهم فرج هم الممومين ونفِّس كرب المكروبين وانقضي الدين عن المدينين واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين وارحم اللهم موتانا وموتى المسلمين يا رب العالمين عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربة وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون فاذكروا الله العري العظيم الجليل الكريم يذكركم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون