Transcript for:
سيرة الإمام البخاري

شرق بلاد المسلمين في مدينة بخارة ولد الإمام البخاري محمد بن إسماعيل سنة 194 للهجرة لأب عالم محب للحديث وأهله وأم تقية مربية فاضلة ذاق مرارة اليتم مبكرة وابتري في طفولته بمرض خطير في عينيه وبعد طول دعاء وتضرع إلى الله رأت أمه في منامها إبراهيم عليه السلام فقال لها يا هذه قد رد الله على ابنك بصرة لكثرة بكائك أو كثرة دعائك فأصبحت وقد رد الله عليه بصره ببركة دعائها له ربته أمه الصالحة على حب الدين ودفعته إلى حلقات العلم بعد أن ظهرت عليه علامات النبوغ والنجابة فقد وهبه الله سبحانه وتعالى ذاكرة قوية تفوق بها على أقرانه وكانت أحد أسرار تميزه ونجاحه فأتم حفظ القرآن الكريم قبل العاشرة وبدأ بتعلم الحديث من علماء بلده وحفظ بعض كتب الحديث ككتاب وكيع وابن المبارك قبل أن يبلغ ستة عشر عاما أمه أود استئذانك في أمر يهمني قل يا محمد لقد زرت أئمة الحديث ومشايخه في مكة فوجدت عندهم الكثير من العلوم التي أطمع بتعلمها وأرجو أن تأذني لي بالبقاء هنا حتى أطلبها من أهلها تقصد علوم الرواية والدراية والرجال؟ هو ذاك يا أخي قربك محبب لقلبي يا ولدي لكن تعلم الإسلام وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب وأكبر امضي على بركة الله فإن والدك كان محبا للحديث وأهله في سن السادسة عشر سافر البخاري إلى الحج مع أمه وأخيه أحمد واختار البقاء في مكة وحيدا يطلب العلم حبا لله ورسوله وخدمة لدين الله ومن هناك انطلق في البلاد يسمع الحديث ويدونه سمع من علماء مكة والمدينة المنورة وسافر إلى بغداد والبصرة والجزيرة ومصر وغيرها والتقى كبار علماء عصره كيحي بن معين وأحمد بن حنبل وابن المديني وغيرهم واستفاد من خبراتهم في علوم الحديث ونهل من ميراث الأئمة السابقين كالإمام مالك وكبار التابعين وألف كتاب التاريخ الكبير وهو أول كتاب من نوعه فيه دراسة متكاملة عن رواة الحديث اعتمد في كتابه هذا على القوانين التوثيقية التي وضعها كبار علماء الحديث واستخدم حسه النقدي في تصنيف الرواه وكان هذا الكتاب مرجعه في دراسة رواة الأحاديث بدأ البخاري جمع صحيحه من خلال انتقاء أصح الأحاديث التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم ملتزما بقواعد توثيقية دقيقة وصارمة وضعها علماء الحديث الكبار قبله فيتحقق من خلالها من صحة الحديث ثم يستخير الله تعالى ويدون الحديث في صحيحه الذي سماه الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه وأتمه في ستة عشر عاما رحلت من بخارى إلى بغداد والبصرة وواسط والمدينة المنورة ومكة وغيرها قطعت الفيافي والقفار مشيت في الصحارى والليالي والشهور مع القوافل طلبا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يثنني الحر ولا البرد ولا طول السفر وقلة الزاد وضعت أمام عيني جمع أصح الأحاديث نسبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمضيت في هدفي هذا ستة عشر عاما لا أكتب حديثا إلا بتدقيق سنده والتأكد من عدالة رواته ولقاء بعضهم بعضا ثم أتوضأ وأستخير الله حتى أتممت الجامع المسند بفضل الله وتوفيقه قصد البخاري آلاف الطلاب ليتعلموا منه الحديث وكان المسجد لا يتسع لحلقته وسمع الصحيح منه تسعون ألف طالب من أبرزهم تلميذه الإمام مسلم والإمام الترمذي وحظي كتابه بتأييد العلماء والأئمة في شتى العصور وأجمعوا على صحته وما زادته مراجعات بعض العلماء لكتابه الصحيح إلا قوة ومصداقية عاد البخاري إلى بخارة واجتمع عليه الناس من كل حدب وصوب فدبت الغيرة والحسد في نفوس بعض علماء بخارة أشاعوا عليه تهمة القول بخلق القرآن فاغتم لذلك وطال مرضه بسبب هذا الافتراء وزاد عليه الكرب بعد أن نفاه والي بخارة إلى مدينة خيرتانك وبقي فيها حتى توفي سنة 256 هجرية وفي عصرنا الحالي تتجدد الهجمة على البخاري رحمه الله ممن يحسبون أنهم سيسقطون السنة الشريفة بالطعن في كتاب واحد والحقيقة أنه لو لم يوجد البخاري ولا صحيحه فلن يتغير شيء فكل الأحاديث التي صححها مبثوثة في كتب السنة الأخرى واعتنى بها مئات العلماء المخلصين