Transcript for:
محاضرة عن الإمام النووي ورياض الصالحين

بسم الله والحمد لله الصلاة والسلام على رسول الله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد فنبدأ اليوم بإذن الله تعالى بكتاب مبارك عظيم من كتبه الحديث جعل الله تعالى القبول لهذا الكتاب ألا وهو رياض الصالحين للإمام النووي رحمه الله تعالى هو يحيى بن شرف بن مري النووي نسبة إلى نوى وهي قرية تبعد عن دمشق سبعين كيلو تقريبا والإمام النووي رحمه الله تعالى حبب الله تعالى إليه العلم منذ صغره فكان مشغوفا بحفظ القرآن الكريم وحفظ القرآن الكريم ولما يبلغ وكان الصبيان يجرونه معهم ليلعب فيبكي ويترك اللعب ويقبل على تلاوة القرآن وقراءة الحديث وهكذا بدأ طلب العلم منذ صغره و كان يقرأ كل يوم 12 درسا شرحا وتعليقا وحفظا ذكروا في سيرته أنه كان يقرأ درسين في الوسيط في الفقه ودرسا في المهذب ودرسا في الجمع بين الصيحين ودرسا في صحيح مسلم ودرسا في اللمع لبن جني في اللغة ودرسا في إصلاح المنطق ودرسا في التصريف ودرسا في أصول الفقه ودرسا في أسماء الرجال ودرسا في أصول الدين هذا كله في يوم واحد من عبور علو همته ويحرص على التدقيق في هذه الدروس شرحا وتعليقا وضبطا وجعل الإمام النووي رحمه الله تعالى تحصيله لطلب العلم تأليفا فكان يضبط ما يطلبه ويشرحه ويقرأه فيكون مؤلفا في نفس الوقت ولهذا بارك الله تعالى له في عمره له مؤلفا كثيرة ومحققة وجعل الله تعالى لها القبول فأكثر من خمسين مؤلفا وبعضها معتمد في الفقه وفي الحديث كشرح مسلم والأذكار الأربعون نووية التي بارك الله تعالى فيها وفي الفقه مثلا منهاج الطالبين الذي هو عمدة الشافعية في الفقه وروضة الطالبين كذلك والمجموع شرح المهذب وهكذا كتبنا في عهد هذا الإمام المبارك وهذا الإمام توفي سنة ست وسبعين وستمائة للهجرة يعني تقريبا عاش خمس واربعين سنة لكن تأمل كيف بارك الله تعالى له في علمه وعمره ولم يتزوج وكان يلقب بمحي الدين ومع ذلك كان يكره هذا اللقب تواضعا منه ويقول لا أجعل في حل من لقبني محي الدين لكن حقا أحيى الله تعالى به الدين بما تركه من علم نافع وكان من هذا الكتاب المبارك رياض الصالحين الذي لا يكاد يخلو منه بيت مسلم فجزاه الله تعالى عنه وعن المسلمين خير الجزاء ونقرأ اليوم مقدمة هذا الكتاب يقول نقول بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الواحد القهار العزيز الغفار مكور الليل على النهار تذكرة لأولي القلوب والأبصار وتبصرة لذوي الألباب والاعتبار الذي أيقظ من خلقه من اصطفاه فزهدهم في هذه الدار وشغلهم بمراقبته وإدامة الأفكار وملازمة للتعاضي وللدكار ووفقهم للدأب في طاعته والتأهب لدار القرار وللأسفل والحذر مما يسخطه ويوجب دار البوار والمحافظة على ذلك مع تغاير الأحوال والأطوار أحمده أبلغ حمد وأزكاه وأشمله وأنماه وأشهد أن لا إله إلا الله البر الكريم الرؤوف الرحيم وأشهد أن محمدا عبده ورسوله حبيبه وخليله الهادي إلى صراط مستقيم والداعي إلى دين قويم صلوات الله وسلامه عليه على سائر النبيين وآل كل وسائر الصالحين أما بعد فقد قال الله تعالى وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون تأمل كيف صدر الإمام النووي رحمه الله تعالى بعد الافتتاح بالثناء على الله وحمده والصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم صدر مقدمة الكتاب بهذه الآية هذا منطلقه في تأليف هذا الكتاب تحقيق العبودية لله تحقيق الغاية التي خلقنا لأجلها وهذا يدلك على عظيم إخلاصه وهذا هو سر بركة هذا الكتاب كأن المؤلف ما قصد من هذا الكتاب إلا لتقام عبودية الله تعالى في القلوب في الأبدان في الأعمال في الحياة في واقع الناس وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون قال وهذا تصريح بأنهم خلقوا للعبادة قال فحق عليهم الاعتناء بما خلقوا له والإعراض عن حضوظ الدنيا بالزهادة فإنها دار نفات لا محل إخلات ومركب عبور لا منزل حبور ومشرع انفصام لا موطن دوام فلهذا كان الأيقاظ من أهلها هم العباد وأعقل الناس فيها هم الزهاد وهذا كما قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى لو وصى إنسان أن تصرف أمواله للعقلاء قال كان تنفيذ هذه الوصية بأن تصرف الأموال للزهاد لأنهم أعقل الناس هذه الدنيا هذه الدنيا كما وصفها هنا قال دار نفات يعني تنتهي لا محل إخلاط الخلود في الجنة نعيم المقيم ومركب عبور لا منزل حبور من مركب عبور هي معبر إلى الآخرة لا منزل حبور يعني ليست منزل الفراح الدائم والسعادة قالوا مشرع فصام يعني تنقطع بأهلها يموت الإنسان في أي لحظة لا موطن دوام قال فلهذا كان الأيقاظ من أهلي هم العباد وأعقل النبي الناس فيها هم الزهاد قال الله تعالى إنما مثل الحياة الدنيا كما إن أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وزينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون والآيات في هذا المعنى كثيرة ولقد أحسن القائد إن لله عبادا فطنا طلقوا الدنيا وخافوا الفتنى نظروا فيها فلما علموا أنها ليست لحي وطنى جعلوها لجة واتخذوا صالح الأعمال فيها سفنا فإذا كان حالها ما وصفته وحالنا وما خلقنا له ما قدمته فحق على المكلف أن يذهب بنفسه مذهب الأخيار ويسلك مسلك أولي النهى والأبصار ويتأهب لما أشرت إليه ويهتم بما نبهت عليه وأصوب طريق له في ذلك وأرشد ما يسلكه من المسالك التأدب بما صح عن نبينا سيد الأولين والآخرين وأكرم السابقين واللاحقين صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر النبيين ما أجمل هذه المقدمة التي جمعت خلاصة الدين جمعت الإخلاص تحقيق العبادة وجمعت إلى ذلك طريقة تحقيق العبادة بالتأدب بما صح عن نبينا صلى الله عليه وسلم باتباع السنة الإخلاص والمتابعة فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بإبادة ربه أحدا قال وقد قال الله تعالى وتعاون على البر والتقوى وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه وأنه قال من دل على خير فله أجر فاعله وأنه قال من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا وأنه قال لعلي رضي الله عنه فوالله لأن يهدي الله بك رجولا واحدا خير لك من حمر نعم فهذا مقصوده أن يعين الناس يعين إخوانه على اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم وتحقيق العبودية لله قال فرأيت أن أجمع مختصرا من الأحاديث الصحيحة مجتملا على ما يكون طريقا لصاحبه إلى الآخرة ومحصلا لآدابه الباطنة والظاهرة جامعا للترغيب والترهيب وسائر أنواع آداب السالكين من أحاديث الزهد ورياضات النفوس وتهذيب الأخلاق وطهارات القلوب وعلاجها وصيانة الجوارح وإزالة عوجاجها وغير ذلك من مقاصد العارفين فهذا موضوع كتاب رياض الصالحين لذلك كان من أجمع كتب السنة مع حسن تأليفه وترتيبه واختصاره فجعل الله تعالى فيه البركة العظيمة قال وألتزم فيه أن لا أذكر إلا حديثا صحيحا من الواضحات طبعا هذا على اصطلاح المتقدمين إذا قالوا الحديث الصحيح يعني يشمل الصحيح والحسن يعني المقبول عموما قال مضافا إلى الكتب الصحيحة المشهورات وهو يقصد الغالب الكتب الستة وإن كان في بعضها الصحيح والضعيف لكن لا يكون ضعفه شديدا ولا يكون من الحديث المستنكرة بل هو مما يستشهد به خاصة في فضائل الأعمال قال مضاثا إلى الكتب الصحيحة المشهورات وأصدر الأبواب من القرآن العزيز بآيات كريمات وأوشح ما يحتاج إلى ضبط أو شرح معنا خفي بنفائس من التنبيهات وإذا قلت في آخر حديث متفق عليه فمعناه رواه البخاري ومسلم كما هو مشهور عند أهل الحديث إذا قالوا متفق عليه يعني رواه البخاري ومسلم قال وأرجو إن تم هذا الكتاب أن يكون سائقا للمعتني به إلى الخيرات حاجزا له عن أنواع القبائح والمهلكات وأنا سائل أخا إن تفع بشيء منه أن يدعو لي ولوالدي ومشايخ وسائر أحبابنا والمسلمين أجمعين وعلى الله الكريم اعتمادي وإليه تفويضي واستنادي وحسبي الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم ونحن من حتى ندعو لهذا الإمام ولكن هذا من بركة هذا الكتاب وبركة على صاحبه ومن دعا لأخيه فيقول الملك ولك بمثله فنسأل الله تعالى أن يغفر له ويرحمه ويرفع في درجاته وأن يجزيه عن خير الجزاء وعن المسلمين أجمعين أن يغفر له ولوالديه ولمشايخه وأحبابه والمسلمين أجمعين نسأل الله أن يغفر لنا ويرحمنا وأن يجمعنا بالإمام النووي وبأئمة المسلمين وبالصالحين وبالنبيين والصحابة أجمعين وبنبينا محمد صلى الله عليه وسلم وإن شاء الله نبدأ بأول باب باب الإخلاص في المجلس القادم بإذن الله نسأل الله تعالى أن يغفر لنا ويرحمنا والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين