الحمد لله المتصف بالجلال والكمال المُنزَّه عن الأنداد والأشباه والأمثال قيومٌ لا ينام عزيزٌ لا يُرام نحمده سبحانه أن هدانا للإسلام وبلَّغنا شهر الصيام والقيام ووفَّقنا بفضله للتمام أحمده تبارك وتعالى حمد الشاكرين وأثني عليه ثناء الذاكرين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لا الملك القدوس السلام وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبدُ الله ورسولُه وخاتمُ أنبيائِه وأفضلُ رسلِه الكرام الذي بيَّن الحلال والحرام فما ترك خيرًا إلا دلَّ أمتَه عليه ولا شرًّا إلا حذَّرَها منه صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه البررة الكرام ومن تبعهم بإحسان ما تعاقبت الشهور والأعوام أما بعد معاشر المؤمنين فأوصي نفسي وإياكم بتقوى الله والإكثار من ذكره وتدبر كتابه فإن ذكره حياة القلوب وربيعها وأنس النفوس وبهجتها يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً وسبحوه بكرةً وأصيلاً هو الذي يُصلي عليكم وملائكته ليُخرِجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيماً تحيتهم يوم يلقونه سلام وأعدَّ لهم أجراً كريماً أمة الإسلام مضى شهر رمضان بأيامه الفضيلة ولياليه المباركة والمسلمون بين صيام وقيام وصدقة وتلاوة للقرآن فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدان الله واليوم يا عباد الله نستقبل العيد بالفرح والسرور فالعيد شعيرة إلهية وسُنَّةٌ نبويَّةٌ وموسمٌ للبرِّ والصِّلَى والتزاور والمحبَّة وسلامة الصدر والصفح والعفو والفرحُ في العيد مطلبٌ منشود وهدفٌ مرغوب فالنفوسُ فيه صافية والصدورُ سليمة والوجوهُ مبتسمة وعلى قدرِ حياةِ القلبِ بالإيمان يكونُ فرحُ المُؤمنِ وسعادتُه، فيفرحُ المُؤمن بهدايتِه، ومعرفة أسماء ربِّه وصفاتِه، وامتِثال أمرِه واجتِناب نهيِّه، ويفرحُ بصلاتِه وصيامِه، وذِكرِه وتلاوَة كتابِه قل بفضلِ الله وبرحمتِه، فبذلك فليفرحُ هو خيرٌ مما يجمعُون ونحن في هذا العيد نفرح بإتمام رُكنٍ من أركان الإسلام وأن وفَّقنا سبحانه للصيام والقيام ونرجوه أن يمنَّ علينا بالعِتق من النيران فالله جلَّ جلاله وعد عباده بالقبول وهو لا يُخلف وعدَه وفي الصحيحين قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم للصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقي ربه فرِحَ بصومِه، فأهلُ الإيمان يتجدَّدُ فرحُهم عند فِطرهم لكل يومٍ من رمضان ويتوَّجُ هذا الفرح إذا أمدَّ الله تعالى في العُمر فأتمَّ الصائمُ اليوم والشهر، وخُتِمَ له بعيد الفِطر فيسعدُ فيه ويهنأ جزاءَ طاعتِه التي أقامَ عليها طيلةَ شهرِه ترجمة نانسي قنقر وأما الفرح الأكبر والنعيم الأعظم فهو فرح المؤمن يوم القيامة عند لقاء ربه حيث تكفَّل سبحانه بمقدار ثواب صحيح وتضعيف حسناته ففي الصحيحين قال النبي صلى الله عليه وسلم كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمئة ضعف قال الله عز وجل إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به فإذا تولَّ الكريم سبحانه فإذا تولَّ الكريم سبحانه الجزاء والهدية والعطية فاعلم أنها لا منتهى فَاعْلَمْ أَنَّهَا لَا مُنْتَهَى لَهَا فَحِينَهَا نَعِيمُ الْعَبْدِ لَا يَفْنَى وَالْفَرَحُ يَتَوَالَى فَرَحٌ بِضِيَاءِ الْوَجْهِ وَبَهَائِهِ وَفَرَحٌ بِضِلِّ عَرْشِ الرَّحْمَانِ وَلِقَائِهِ وَفَرَحٌ بِأَخْذِ الْكِتَابِ بِالْيَمِينِ وَفَرَحٌ بِثِقَلِ الْمَوَازِينِ وَفَرَحٌ بِالْعُبُورِ عَلَى صِرَاطِ جَهَنَّمٍ وفرحٌ بالشُرْب من حوض النبي صلى الله عليه وسلم وفرحٌ بالوصول إلى باب الجنة حتى إذا جاءوها وفُتِحَت أبوابُها وقال لهم خزنتُها سلامٌ عليكم طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خالِدين وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين فأي فرح أعظم من دخول جنة عرضها السماوات والأرض فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر غمسةٌ فيها تُنسِي كلَّ شَدائِد الدنيا وبُؤسِها ففي صحيح مسلم قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُؤتَى بأشدِّ الناس بُؤسًا في الدنيا من أهل الجنة فيُصبَغُ صبغةً في الجنة فيُقال له يبنَ آدم هل رأيتَ بُؤسًا قط؟ هل مرَّ بك شِدَّةٌ قط؟ فيقول لا والله يا رب ما مرَّ بي بُؤسٌ قط ولا رأيتُ شِدَّةً قط فكيف بنعيمٍ مُقيم لا يحولُ ولا يزول ثم يُزادُ على هذا النعيم رِضاً رحمنٍ رحيم ففي الصحيحين قال النبي صلى الله عليه وسلم إن الله يقول لأهل الجنة يا أهل الجنة فيقولون لبيك ربنا وسعديك والخير في يديك فيقول هل رضيتم؟ فيقولون وما لنا لا نرضى يا رب وقد أعطيتنا ما لم تعطي أحدا من خلقك فيقول ألا أعطيكم أفضل من ذلك فيقول يقولون يا رب وأيُّ شيءٍ أفضلُ من ذلك فيقول أُحِلُّ عليكم رِضواني فلا أسخَطُ عليكم بعده أبداً وكمالُ الفرح والسُّرور برُؤية الرحيم الغفور ففي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا دخل أهلُ الجنةِ الجنةِ قال يقول الله تبارك وتعالى تُريدون شيئًا أزيدُكم تُريدون شيئًا أزيدُكم فيقولون ألم تُبيِّض وجوهَنا ألم تُدخِلنا الجنَّة وتُنجِّنا من النار قال فيكشِفُ الحِجاب فما أُعطُوا شيئًا أحبَّ إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل وجوهٌ يومئذٍ ناظِر إلى ربها ناظِر فاللهم ارزُقنا لذةً نارًا والنظر إلى وجهك الكريم والشوق إلى لقائك في غير ضراء مُضِرَّة ولا فتنة مُضِلَّة أعوذ بالله من الشيطان الرجيم للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قترٌ ولا ذلَّة أولئك أصحابُ الجنة هم فيها خالدون بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه إنه كان غفارا الحمد لله ذي الفضل والإنعام أوجَبَ علينا الصيام، وجعلَه جُنَّةً، وسبيلًا مُوصلًا إلى الجنَّة وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لأذُو الجلال والإكرام وأشهد أن سيِّدنا ورحمة الله ورحمة الله وبركاته سيدنا ونبينا محمدًا عبدُ الله ورسولُه أفضلُ من صلَّى وصام وأطاعَ أمرَ ربِّه واستقام صلى الله عليه وعلى آله وأصحابِه ومن تبِعَهم بإحسان وسلَّم تسليمًا كثيرًا أما بعد معاشر المؤمنين ينبغي في العيد أن تسود مظاهر الفرح والسرور والغِبطة والحُبور فاهنأوا وابتهِجوا بعيدكم وتذكَّروا بأن العقاء بأشكاله وصوره يعود على صاحبه بالفرح والسرور والسعادة فمن أحبِّ الأعمال إلى الله سُرورٌ تُدخِلُه على مسلم وهو بابٌ من أبواب الخير والأجر العظيم فاحتسبوا في إدخال السُرور على أهليكم وذوي أرحامكم وأُجرائكم وخدمكم وتفقَّدوا أحوال اليتامة والفُقراء والمساكين تفوزوا برضاءَ أرحم الراحمين، واعلموا أن من تمام الفرح والمسرَّات أن يتزوَّد المؤمنُ من الحسنات والباقيات الصالحات فمن فضل الله تعالى على عباده أنشرَ على نا نوافِل الصيام فمن صام رمضان ثم أتبعَه ستة أيامٍ من شوال كان كمن صام الدهر كلَّ لأن الحسنة بعشر أمثالها وأفضل الصيام بعد الفريضة صيامُ يومٍ وإفطارُ يومٍ ثم صيامُ ثلاثة أيامٍ من كل شهر وصيامُ الإثنين والخميس وصيامُ يوم عرفة والإكثار من الصيام في شهر الله المُحرَّم ولا سيما يوم عاشوراء وفرحةُ الصيام وفرحةُ الصيام لا تنتهي فللصائم لكل يومٍ من هذه النوافِل فرحَتان فرحةٌ عند فِطرِه وفرحةٌ عند لقاء ربِّه فضلاً من الله وذلك فضلُ الله يُؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم فاشكرُ الله تعالى على ما هدانا إليه وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله اللهم اجعلنا لك شاكرين لك ذاكرين لك راهبين لك طائعين إليك مُخبِتين إليك أواهين مُنيبين ربنا تقبَّل توبتنا واغسِل حوبتنا وأجِب دعوتنا وثبِّد حُجَّتنا واهدِ قلوبنا وسدِّد ألسِنتنا واسلُّ السخيمة صدورنا اللهم صلِّ على محمد وعلى آلاته وعلى أزواجه وذُرِّيته كما صلَّيت على آل إبراهيم وبارِك على محمدٍ وعلى أزواجه وذُرِّيته كما بارَكت على آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيدٌ وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكرٍ وعمر وعُثمان وعلي وعن سائر الصحابة والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين وعنا معهم بعفوِك وكرمِك وجودِك يا أرحم الراحمين اللهم أعِذُك اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، واحمِ حوزة الدين واجعل هذا البلد آمِناً مُطمئِناً رخاءً سخاءً، وسائِر بلاد المسلمين اللهم يا حي يا قيوم، برحمتك نستغيث، أصلِح لنا شأنَنا كلَّه، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين اللهم فرِّج همَّ المهمومين من المسلمين، ونفِّس كربَ المكروبين، واقضِ الدينَ عن المدينين، واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين اللهم أصلِح أحوالَ المسلمين في كل مكان، اللهم احقِن دماءَهم، اللهم احقِن دماءَهم وألِّف بين قلوبهم، وأنزِل الأمنَ والسلامَ على بلادهم اللهم إنا نسألُك بفضلك ومنَّتك، وجودِك وكرامِك أن تحفَظ بلادك وبلاد الحرمين من كل سوءٍ ومكروه اللهم من أرادنا وبلادنا وأمننا ورجال أمننا بسوء اللهم فاشغَله بنفسِه واجعل تدبيرَه تدميرًا عليه بقوتِك وعزَّتك وجبروتِك يا قويُّ يا عزيز اللهم وفِّق وليَّ أمرنا خادمَ الحرمين الشريفين لما تحبُّ وترضَى ويزِهِي عن الإسلام والمسلمين خيرَ الجزاء اللهم وفِّق وقفُقه ووليَّ عهده وأعوانَهم لما فيه نصرٌ للإسلام وعزٌّ للمسلمين اللهم انصُر بهم دينَك وكتابَك وسنَّة نبيِّك صلى الله عليه وسلم اللهم واجمع بهم كلمةَ المسلمين برحمتِك يا رب العالمين اللهم وفِّق جميعَ ولاةِ أمور المسلمين لما تُحبُّ وترضَى اللهم اغفِر ذنوبَنا واستُر عيوبَنا ويسِّر أمورَنا وبلِّغنا في مرسوماتنا اللهم اغفر لنا ولوالدين وأزواجنا وذرياتنا إنك سميعُ الدعاء ربَّنا تقبَّل منا إنك أنت السميعُ العليم وتُب علينا إنك أنت التوابُ الرحيم سبحان ربِّك رب العزَّة عما يصِفون وسلامٌ على المُرسلين والحمد لله رب العالمين